إن الانسان السويّ كتلة من العواطف وتفاصيل وديّة يعيشها نبضه في كل مرة، يبادلها لكل من دلف إلى فؤاده فيتربع على عرش وتينه معلنا ساحات من الحب.
وهذا الحب قائم منذ الأزل ومنذ أن خلق الله تعالى الوجود، فبثّ حب حواء في قلب آدم، وإن تحدثنا عن هذا الشعور الذي عجّت به صفحات القلوب قبل صفحات الورق وأمهات الروايات؛ فإن التاريخ الإسلامي أولى بقطف ثمار الحب وزرع نباته في الأجيال.
خير مثال لذلك حياة المصطفى عليه الصلاة والسلام التي تغنت بصور رائعة راقية من الحب الفاخر جمعته وأزواجه رضوان الله عليهن، وعلى رأسها قصته مع سيدتنا خديجة، حيث سمى حبها رزقا في قوله: «إني رزقت حبها». عاش معها حبا أزليا عكس أبهى حلّة من وفاء الزوج لزوجته؛ فلم يتزوج غيرها إلاّ بعد وفاتها وظلّ ذاكرا لها ويدني أحبابها من مجلسه ويقدم لهن الهدايا، حتى السيدة عائشة رضي الله عنها قالت في حب النبي لها: ”ما غرت على امرأة لرسول الله كما غرت على خديجة لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله إياها وثنائه عليها“.
وكان حبيبنا الصادق الأمين يتحدث بأروع العبارات التي تستحسنها الزوجة وتطرب بها الآذان وتسعد بها الأنفس على مرّ الأزمان، فقال لأم سلمة رضي الله عنها: «لا تؤذيني في عائشة...» يالله على هكذا إعلان للحماية والأمان!
ناداها بالحميراء تغزّلا -وهي تصغير لكلمة حمراء، والتي يراد بها المرأة البيضاء المشربة بحمرة الوجه- كما كان يسابقها فيغلبها وتغلبه ويشرب الماء، يضع شفتاه مكان شفتاها ويأكل من بقايا طعامها متعمدا الأكل من نفس الموضع الذي أكلت منه. في موقف آخر أيضا، وضع ركبتيه عليه الصلاة والسلام لتضع السيدة صفية رضي الله عنها رجلها عليهما، كي تركب البعير أمام مرأى جند المسلمين، فلم يخجل بإشهار صورة المودة والرحمة لزوجته.
لم تكن حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدها تزخر بالود الزوجي؛ فقد كان لصحابته رضوان الله عليهم نصيبا وافرا من ذلك. فهذا عليّ بن أبي طالب يقول في زوجته فاطمة الزهراء رضي الله عنهما، غيرة على ملكة قلبه وهي تتسوّك:
حظيت يا عود الأراك بثغرها
أما خفت يا عود الأراك أراك
لو كنت من أهل القتال قتلتك
ما فاز مني يا سواكُ سواكَ
وقال فيها أيضا: ”لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان.“ وبعد موتها رضي الله عنها ظلّ سيدنا عليّ أسوانا على محبوبته الزهراء فرثاها عند قبرها متألما:
مالي وقفت على القبور مسلّما
قبر الحبيب فلم يردّ جوابي
أحبيب! مالك لا تردّ جوابنا
أنسيت بعدي خلّة الأحباب!
سيدنا أبو العاص بن الربيع هو الآخر كانت له قصة من روائع قصص الحب مع زوجته زينب ابنة رسول الله صلوات ربي عليه؛ خاطب قريشا بعد إسلام زينب رضي الله عنها: ”لا والله لا أفارق صاحبتي ولا يعوضني عنها أن لي أفضل امرأة في قريش.“، إلى أن نزلت الآية التي تحرّم زواج المؤمنة من مشرك فوقعت الفرقة. وحدث أن أُسر أبو العاص بن الربيع في يد المسلمين، ففدته زينب بقلادة كانت ذكرى من أمها خديجة وما إن رآها المصطفى عليه الصلاة والسلام حتى دمعت عيناه.
أعلن أبو العاص إسلامه وردّت إليه زينب بعد فراق دام ستّ سنوات، لم تخمد فيهن نيران الشوق بين الحبيبين رضوان الله عليهما وحين توفيت بكاها بكاءً شديدا فيحدِّث النبي قائلا: ”ما عدت أطيق الدنيا بغير زينب“ ثم لحق بها بعد عام من وفاتها.
هكذا كان المتحابون زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أحبّوا فعبّروا عن حبهم كلمة وموقفا، وحزنوا لفقدهم المحبوب فانفطرت قلوبهم، فما أجمل رسائل الحب على الطريقة الإسلامية.